بعد المداولة العدد السادس اقرأ لـ : للفقيه الدستورى أ/ حسام محفوظ المحامى ولأعلام المحامين والقُضاه

مجلة بعد المداولة العدد السادس توزّع مجاناً بمحاكم الاسكندرية اقرأ فى العدد:أهم أحكام المحكمة الدستورية لعام 2010 الأستاذ/ حسام محفوظ المحامى والفقيه الدستورى - الاوضاع الظاهرة وقضية مدينتى الأستاذ/ حسام محفوظ المحامى والفقيه الدستورى - الطعن فى دعاوى الخلع الأستاذ / مجدى عزام المحامى - ووحوار مع عضوى النقابة العامة الأستاذ/ محى الدين حسن المحامى و الأستاذ/ عاصم نصير المحامى - أثر عدم دستورية قانون 100 لسنة 1993 على النقابات المهنية الأستاذ/ حسين فتحى المحامى

    

الثلاثاء، 25 يناير 2011

حماية الأوضاع الظاهرة فى قضية مدينتي ووزير الاسكان

حماية الأوضاع الظاهرة فى قضية مدينتي

ووزير الاسكان

ـــــــ

بقلم الأستاذ / حسام محفوظ

المحامى بالنقض والفقيه الدستوري

* لعله لم يكن غريباً ؛ في ظل أجواء سياسية فاسدة، أتاحت لفرد واحد - بشر قد يُخطئ أو يُصيب – تجميع مقاليد السلطة قاطبةً فى قبضته، بعد أن تم تنصيبه – وفقاً لواقع الأمور – رئيساً مدى الحياة ؛ رغم أنف الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة الذى هو قوام النظام الجمهورى الديمقراطى . لعله لم يكن غريباً فى ظل ذلك المظهر الرجعى لمركزية السلطة، أن يمتنع وزير الإسكان الحالى عن تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى – الذى أصبح باتاً منذ تأييده من المحكمة الإدارية العليا – والقاضى ببطلان عقد شراء شركة طلعت مصطفى لمسطح ثمانية آلاف فدان بالأمر المباشر من الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، تلك القضية المعروفة إعلامياً بـ ( قضية : مدينتي ).

ولعل الأكثر غرابة ؛ أن بلداً كمصر يعانى الغالبية العظمى من مواطنيها، من أزمة إسكان طاحنة - بل دعونى أقول كارثة إسكان مروعة – حيث الواقع يُثبت أن أكثر من 25٪ من المواطنين يسكنون بأماكن عشوائية تفتقر إلى الحد الأدنى لمقومات المعيشة الآدمية التى يستحقها بنى آدم الذين كرمهم الله وجعلهم خُلفائه فى الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: [ ولَقد كرمنا بني آدم ]. ناهيكم عن أن أكثر من مليون مواطن يسكنون بالمقابر؛ وذلك بسبب الارتفاع الجنونى غير المبرر لثمن الوحدات السكنية بما لا يتناسب مطلقاً مع متوسط دخل الغالبية العظمى للمواطنين، والناتج عن فشل الدولة فى عمل أى تخطيط عمرانى جيد، من شأنه توسيع رقعة الأرض الصالحة لبناء مساكن جاذبة للسكان وليست طاردة لهم، مما يترتب عليه إنخفاض ثمن تلك الأراضى كنتيجة حتمية لزيادة عرضها. والناتج أيضاً عن احتكار ذوى النفوذ لصناعة وتجارة مواد البناء، وفرض رسوم جمركية ورسوم إغراق على المستورد منها، مما ترتب عليه ارتفاع جنونى غير مبرر لثمن مواد البناء، وارتفاع ثمن الوحدات السكنية بالتالى.

الأكثر غرابـة، أنه فى ظل تلك الظروف السكانية الكارثية، فإننا نجد وزير الإسكان الحالى، بدلاً من أن يكرس جهوده ونشاطه السياسى، لخلق مناخ عمرانى واقتصادى خصب من شأنه توفير مساكن للمواطنين بأسعار رخيصة تتناسب مع مستوى دخولهم المتدنية. فإننا نجده من أحد كبار رجال الأعمال المشتغلين بالاستثمار العقارى، والذين أدى نشاطهم الاستثمارى غير الرشيد إلى رفع أسعار الأراضى والوحدات السكنية. حيث قام بشراء مليون متر مربع بثمن بخس من الأراضى المملوكة للدولة، لبناء كومباوند باسم ( بالم هيلز ) يتكون من فيلات وقصور ووحدات سكنية وتجارية فاخرة تباع بملايين الجنيهات. وعندما رُفعت ضده دعوى قضائية لاستصدار حكم ببطلان عقد شرائه لتلك الأرض، فإننا نجده يُناضل فى الدفاع عن صفقة مدينتى، ويمتنع عن تنفيذ الحكم القاضى ببطلانها، مُتذرعاً فى ذلك الدفاع بآراء فقهاء السلطة، والذين تذرعوا بأنه يستحيل تنفيذ حكم بطلان عقد شراء مدينتى، لأن تنفيذه سيترتب عليه كارثة إجتماعية لآلاف المواطنين الذين قاموا بشراء وحدات بمدينتى، باعتبار أن عقود شرائهم ستكون باطلة هى الأخرى، لأن ما بُنى على باطل فهو باطل...

وما قرره فقهاء السلطة على النحو سالف البيان، ليس أبداً بصحيح، إذ أنه حتى مع تنفيذ الحكم ببطلان عقد شراء شركة طلعت مصطفى لأرض مدينتى، فإن كافة العقود الخاصة بمن قاموا بشراء وحدات سكنية أو تجارية بالمبانى المنشأة على أرض مدينتى، ستظل صحيحة ونافذة فى حق من ستؤول إليه ملكية الأرض بكافة الحقوق والالتزامات المترتبة عليها، سواء آلت ملكية الأرض إلى الدولة البائعة، أو إلى أى مشترى جديد يقوم بشراء الأرض وما عليها من منشآت فى مزاد علنى وفقاً لأحكام القانون، محملة بما عليها من التزامات وما لها من حقوق.

وذلك لأن صحة ونفاذ عقود شراء تلك الوحدات فى حق الدولة ؛ بعد تنفيذ حكم البطلان وما يترتب عليه من أيلولة ملكية الأرض من جديد إلى الدولة، صحة تلك العقود – رغم صدورها من بائع عقد ملكيته باطلة – تستند إلى ما يُعرف فى الفقه والقضاء بـ ( نظرية حماية الأوضاع الظاهرة ). ولئن كانت هذه النظرية لا يتضمنها أى نص قانونى، إلا أنها مُستقرة فى الفقه والقضاء، إذ أن تطبيقها تقتضيه مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة، وذلك نفاذاً لنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدنى، والتى أوجبت على القاضى فى حالة عدم وجود نص تشريعى يمكن تطبيقه، أن يحكم بمقتضى العرف، فإذا لم يجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعى وقواعد العدالة.

ومن المؤسف شيوع فهم خاطئ لنظرية الأوضاع الظاهرة فيما بين المشتغلين بالقانون – قضاة ومحامون - فيظن البعض، أن المالك على الشيوع الذي يقوم بإدارة المال الشائع بتفويض من باقى الملاك أو من أغلبيتهم، يُعَد مالكاً ظاهراً على ذلك المال الشائع، فى حين أن ذلك المالك الشائع وفقاً لصحيح القانون، لا يُعَد مالكاً ظاهراً، بل يُعَد فحسب مديراً للمال الشائع وفقاً لنص المادة رقم (828) من القانون المدنى، والتى خولت أغلبية الشركاء فى المال الشائع، الحق فى اختيار مدير يقوم بإدارة المال الشائع، واعتبرت قيام أحد الملاك الشائعين بإدارة المال الشائع دون اعتراض من باقى الملاك، يجعله وكيلاً عنهم. فالمادة (828) هنا تتحدث عن مدير وعن وكيل، ولا تتحدث مُطلقاً عن مالك ظاهر.

وقد حدد - الفقه والقضاء - للوضع الظاهر ركنين، لابد من توافرهما لإضفاء الحماية التى قررتها نظرية الأوضاع الظاهرة على الغير الذى تعامل مع صاحب الوضع الظاهر المخالف للحقيقة، وهذان الركنان هما كالتالى:

الركن المادى للوضع الظاهر:

ويتمثل الركن المادى للوضع الظاهر، فى استقرار المركز الفعلى لصاحب الوضع الظاهر، بالقدر الذى يوهم الغير والكافة، بأنه مركز قانونى صحيح يتفق مع الحقيقة، وذلك بإحاطة صاحب الوضع الظاهر بعوامل ومظاهر مادية مُحيطة به، تؤكد تطابق مركزه الظاهر مع الحقيقة.

الركن المعنوى للوضع الظاهر:

ويتمثل الركن المعنوى للوضع الظاهر، فى ضرورة توافر حسن النية فى الغير المتعامل مع صاحب الوضع الظاهر. ولا يكفى فى هذا الشأن توافر حسن النية الذاتى لدى الغير، وإنما يتعيَّن فوق ذلك أن يَشيع الغلط لدى الكافة فى شأن المركز الظاهر، باعتقاد الكافة بأنه يُطابق المركز الحقيقى. من ثم فلا يُعتبر حُسن النية متوفراً إلا إذا كان ليس فى وسع ذلك الغير والكافة التوصل إلى معرفة المركز الحقيقى المخالف للوضع الظاهر، ولو بذل ذلك الغير عناية الرجل العادى ولم يُقصِّر فى استطلاع حقيقة الأمر المخالف للظاهر. حيث ينتفى حسن النية إذا ما كان الغلط فى معرفة المركز الحقيقى المخالف للمركز الظاهر، ناتج عن السذاجة أو الإهمال، وذلك نظراً لوضوح الحقيقة أو إمكانية التوصل إليها لو كان ذلك الغير قد بذل عناية الرجل العادى لاستطلاعها. لهذا يُشترط انتفاء تقصير الغير فى استطلاع الحقيقة ؛ وإلا زال عنه إفتراض حسن النية، وفقد الحماية التى تقررها نظرية الأوضاع الظاهرة.

(راجع فى ذلك الدكتور/ عبد الباسط جميعى – نظرية الأوضاع الظاهرة – طبعة 1955 ص 99، وكذلك الدكتور/ نعمان جمعة – أركان الظاهر كمصدر للحق – ص60 وما بعدها، وكذلك المستشار/ فتيحة قرة – النظرية القضائية المستحدثة للأوضاع الظاهرة – من ص 35 إلى ص 39).

وقد قضت محكمة النقض - بشأن إضفاء الحماية على الغير حسن النية المتعامل مع صاحب الوضع الظاهر، ونفاذ التصرف فى مواجهة المالك الحقيقى - قضت بما نصـه:

(من المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية، يُعَد نافذاً فى مواجهة صاحب الحق، متى كان الأخير قد أسهم بخطئه – سلباً
أو إيجاباً – فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه، مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتى من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع لدى الكافة بُمطابقة هذا المظهر للحقيقة، دون أن يرتكب هذا الغير خطأ أو تقصير فى استطلاع الحقيقة، ولقاضى الموضوع بماله من سلطة تقدير الأدلة وفهم الواقع فى الدعوى، استخلاص تلك الشواهد ومدى إسهام صاحب الحق فى قيامها، والجهد الذى بذله المتعاقد مع صاحب المركز الظاهر فى استطلاع حقيقة هذا المظهر، على أن يُقيم قضاءه على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق)
.

(نقض مدنى بجلسة 19/3/1987 الطعن رقم 806 لسنة 50 ق، وذات المبدأ بنقض مدنى بجلسة 25/12/1991 الطعن رقم 3419 لسنة 59 ق، وذات المبدأ بنقض مدنى بجلسة 10/7/1996 الطعن رقم 560 لسنة 65 ق، وهذه الأحكام منشورة بمجموعة القواعد التى قررتها محكمة النقض فى تطبيق قوانين الإيجار خلال 65 عاماً – للمستشار/ محمد خيرى أبو الليل – طبعة 1997 – الجزء الأول من ص 106 إلى ص 108).

وبإنزال القواعد القانونية سالفة البيان، على وقائع قضية مدينتى، يتبين - فى وضوح لا لبس فيه - توافر كل من الركنين المادى والمعنوى للوضع الظاهر. إذ أن شركة طلعت مصطفى قبل صدور حكم البطلان، كانت تظهر أمام الكافة بمظهر المالك لأرض مدينتى، نظراً لأن الشركة كان بيدها عقد شراء رسمى للأرض، صادر من الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، ومذيَّل بتوقيع وزير الإسكان، ورئيس الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، وممهور بالأختام الرسمية للهيئة ووزارة الإسكان. وبطبيعة الحال، فإن عقد رسمى كهذا لا يمكن لأى شخص أن يتخيل – قبل صدور حكم البطلان – أنه عقد باطل، ولو بذل عناية الرجل العادى، سيما وأن المالك الحقيقى لهذه الأرض وهى الدولة والتى رتب الحكم بالبطلان عودة الملكية إليها، هى نفسها ساهمت بخطئها المتعمد فى إظهار شركة طلعت مصطفى بمظهر مالك الأرض، حين خالفت القانون الخاص ببيع الأراضى المملوكة للهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، وقامت ببيع أرض مدينتى إلى شركة طلعت مصطفى بالأمر المباشر فى حين أن القانون يشترط أن يتم البيع بالمزاد العلنى. بل أن الدولة لم تكن هى التى قامت برفع دعوى البطلان، بل أقامها المهندس الوطنى البطل/ حمدى الفخرانى. وانصب دفاع الدولة بالدعوى على إثبات أن عقد البيع صحيحاً وليس باطلاً، بل وامتنعت عن تنفيذ حكم البطلان بعد صدوره وصيرورته باتاً. الأمر الذى يترتب عليه حتمية تطبيق نظرية حماية الأوضاع الظاهرة، على من قاموا بشراء وحدات سكنية وتجارية بمشروع مدينتى من شركة طلعت مصطفى، ونفاذ تلك العقود فى حق الدولة فى حالة تنفيذ حكم البطلان. ذلك البطلان الذى ترتب عليه استعادة الدولة لملكية أرض مدينتى من جديد، واعتبار الدولة المالكة لكافة المبانى والمنشآت التى أقامتها شركة طلعت مصطفى على هذه الأرض، وذلك إعمالاً لقواعد الالتصاق المقررة بنص المادة رقم (923) من القانون المدنى، مع التزام الدولة بدفع قيمة تكلفة تلك المبانى والمنشآت إلى شركة طلعت مصطفى، مخصوماً منها المبالغ المالية التى قامت الشركة بتحصيلها من المشترين بوحدات المشروع.

وفى سياق ما تقـدم، يتبين أن تنفيذ حكم بطلان عقد بيع أرض مدينتى لشركة طلعت مصطفى، لن يترتب عليه إلحاق أى ضرر بمن قاموا بشراء وحدات سكنية وتجارية بالمبانى المنشأة على تلك الأرض، إذ أنهم يتمتعون بالحماية القانونية المقررة بنظرية حماية الأوضاع الظاهرة.

وبذلك نكون قد انتهينا من عرض نبذة مختصرة عن نظرية حماية الأوضاع الظاهرة، والتى نتمنى أن تكون قد حققت قدراً من الاستفادة المعرفية، لزملائنا من المحامين وأعضاء الهيئات القضائية.

والله ولى التوفيق،،،

ليست هناك تعليقات: